بقلم /مرجوجه
هل إيمانك بالله مُجرّب أم بالوراثة
هل فكرت يوما أن تُجرب إيمانك بالله وأن تجد لإيمانك مبرر يَحملك علي اليقين والفِعل، أم أنك تنظر للدين كمن قال هذا ما ألفينا عليه آبائنا وإنه الحق ولا حق غيره دون أن تُكلف نفسك بالتفكير والجُهد..وهل ما وصل إليه الأنبياء كان بالوراثة أبا عن جد أم بالتبرير..الناظر لسيرة الأنبياء يجدهم أول الناس من قاموا بتبرير إيمانهم بالله حتي قبل أن يهبط الوحي عليهم في خلواتهم وسكناتهم كانوا يبحثون عن الحق وعن الإيمان..كانوا لا يتوانون عن التَفكر في الأشياء وأن يُعملوا عقولهم في تفسير الظواهر والأحداث لذلك عرفوا الله وكانوا أكثر الناس خشية وأعظم من في الأرض ورعا..
هكذا أُمر الإنسان أن يُعمل عقله في دينه وأن لا يكن كسولا عن طلب العلم والبحث عن المعارف..فالإشارات القرآنية لتمجيد العلم وأهله كثيرة، تلك الإشارات لا تظل ساكنة عند أوامر التفكر والسياحة فحسب، بل تجاوزتها إلي ضرورة التفكر والربط العقلي والمنطقي لكل ظاهرة بأخري وكل فعل بآخر وكل قيمة بأخري، هذا هو القرآن الذي حض علي التآلف والتعارف ونبذ الفُرقة والخصومة، هذا هو القرآن الذي خاطب الإنسان لكبح غرائزه وتوظيف عقله في نُصرة الخير وأهله ورصد الشر وأربابه..
سألت نفسي كثيرا هذا السؤال لماذا لا أُجرّب كي أتذوق إيمانا مُبررا أحصل به علي المعرفة وأخرج من تلك النزعات الحزبية والمذهبية والدينية التعصبية التي تجتاح كثيرا من شباب هذه الأمة، أريد إيمانا أتذوقه كي يَحملني علي التبرير لقراري وضميري قبل أن أُبرر لزعيم طائفتي ومرجعياتي السياسية والدينية نُصرة لهم وإعلاءا لرأيي، لماذا لا أكون كمُدرب الكرة الذي يستعد ولاعبيه للمباراة الرياضية بفاصل من التدريبات يحملهم علي الآداء الجيد وبلوغ الفوز، لماذا لا أكون كالغواص الذي يتدرب علي الغوص ليس فقط لإنجاح مهمته ولكن أيضا لسلامته والحفاظ علي حياته..
أمثلة كثير راودتني من قبل وذهبت إلي أن أفضل طريقة للتفكر ليست محصورة في الواقع الخارجي بل أيضا في تلك المَلَكات لدي الإنسان.روحه وخُلقه، عقله وضميره، نفسه وكيانه..ما الذي جعل الإنسان هكذا يعمل عملا دؤوبا ويُعرض نفسه للخطر كي يحصل علي أجر ، وما أن يحصل علي أجره حتي يخلد للراحة أملا في طليعة شمس جديدة تُطل عليه وعلي أسرته حتي يكفي نفسه الحاجة، ما الذي جعل هذا الإنسان يكد ويتعب وهو في النهاية سينفق ما حاز عليه من المكاسب وسيبحث عن الآخر وهكذا كي يستطيع العيش ولا يفني بني جِنسه..ما الذي جعل الأسد لا يحصل علي طعامه إلا بالجري والحرب، ما الذي جعل الماء هو أصل الحياة وبدونه تفني الأحياء..
لماذا لا نري الطعام والشراب والكِسوة مبسوطة للأحياء جميعا، وهل في ذلك ضرر أم لا..لماذا كان الماء هو أصل الحياة وهل يمكن جمعه ِللنقيضين..ولماذا كان هذا الماء سببا في ضخامة تلك الشجرة بعد أن كانت بذرة صغيرة لم تكد عيني تراها إلا عن قُرب، ولماذا تطرح تلك الشجرة كي تُطعمني وغيري..ما هي وظيفة الدم في الإنسان ولماذا عند أول جُرح -ولو سطحي- يبرز هذا الشئ الأحمر كي يُعلن عن الخطر القادم وكأنه تحذير..لماذا هذا الشئ الأحمر موجود في البشر جميعا علي اختلاف معتقداتهم وأخلاقهم وعلمهم، أسئلة كثيرة تراودني ولو أن بعضا من إجاباتها موجودة ..ولكن إجابتي كإنسان كانت حاضرة أنه وبدون قراءة أيا من الكُتب لا القرآن ولا الإنجيل ولا التوراة ولا كتابات وأفكار الفلاسفة.. لدي يقين يحملني بأن هناك قوي عظيم ،مُدبر خبير، حليم كريم ، قوة هائلة حكيمة وراء كل هذه الظواهر وغيرها.
ما الذي جعل الضمير حصريا للإنسان دونا عن الحيوان..لماذا لا نجد حيوانا يبكي كبُكائنا أو يضحك كضحكنا أو يخجل كخجلنا رغم أننا وحسب تعريفات المناطقة والفلاسفة مشتركين في جنس واحد ولا يُميزنا عن الحيوان إلا النُطق..لماذا لا نجد قِردا عالما شرعيا أو بيولوجيا أو فيزيائيا أو كيميائيا، لماذا لا نجد الزرافة وهي أطول من الإنسان بكثير أن تكون ممن يبني الأبراج ، لماذا لا نجد الفيل وهو أضخم منا أن يكون ممن يُحطمون أحجار المحاجر..كل هذا يحملني علي اليقين بأن هذا القوي العظيم المدبر شاء للإنسان أن يُميزه عن الحيوان..
أيضا أسأل نفسي لماذا هذا الإنسان يكره السرقة ويكره التعدي بالأيدي ويكره السُباب ويُعادي القتل والقَتَلة حتي سَنّ لنفسه تشريعات يَحد فيها من إشاعة الكراهية عبر السيطرة علي تلك الأفعال.. لماذا هذا الإنسان يكره علو الصوت بالفطرة ويحب الهدوء والطُمأنينة..لماذا هذا الإنسان يحنو إلي الماضي دوما حتي لو كان مؤلما، لماذا هذا الإنسان ورغم هفواته وجفواته نحو أقاربه ونسله إلا أن عاطفته سباقة لهم يأمن بوجودهم ويَحزن لفُراقهم..لماذا هذا الإنسان يُحب العُمران ويَكره الهدم والخراب...كل هذه المظاهر تحملني علي اليقين بأن هذا الخالق الرقيب لم يَجعل هذا الإنسان سُدي في هذا الكون بل جعله لوظيفة..وما من وظيفة إلا ولها أجر والتقصير بشأنها يستوجب حتمية العقاب..